0
أحمد أبو وائل أيمن عمير

بسم الله الرحمن الرحيم

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا .. وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعد:

فإنَّ الله أعلى للسنة مكانها، وأوجب على العباد حبَّها واتباعها، وقيَّض لها على مرِّ العصور والدهور رجالها وأنصارها، الذين تعلَّموها وعملوا بها ودعوا إليها، فكانوا أحقَّ بها وأهلها.

ظهرت ظاهرة منكرة من أئمة كثير من المساجد والمؤذنون بحجة لائحة توقيت الأذان من دور الشؤون الدينية والإسلامية في كثير من البلدان الإسلامية وتأخير أذان الإفطار بحجة الحيطة مع أن الأصل في الإفطار للصائم أن يكون بعد غروب الشمس، وإقبال الليل؛ لقول الله – تعالى: ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ))[البقرة: 187 ]، ومن هنا يلزم التساؤل حول الألوية .. الإفطار أم الأذان؟

فعنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كما عند البخاري وغيره : ((إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ؛ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ)) أَيْ: دَخَلَ وَقْت الإِفْطَار لا أَنَّهُ يَصِير مفطراً بغَيْبُوبَة الشمس وإِن لم يتناوَل مُفْطِر.[ عون المعبود (5/229)].

ومن السنَّة تعجيل الفطر لمن كان صائماً لحديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجَّلوا الفطر)) متفق عليه، قال ابن عبد البر - رحمه الله – في التمهيد: من السنة تعجيل الفطر، وتأخير السحور، والتعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس، ولا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاكٌ هل غابت الشمس أم لا؟ لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه إلا بيقين"، وقال النووي - رحمه الله -: "فيه الحث على تعجيل الفطر بعد تحقق غروب الشمس, ومعناه: لا يزال أمر الأمة منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنَّة" شرح صحيح مسلم.

ونصيحتنا للمؤذنون أن هناك من ينتظر أذانك ليفطر عليه فإنه ينبغي لك أن تبادر بالأذان حتى لا يكون سبباً في تأخير الناس لإفطارهم كما يفعل الروافض الشيعة من تأخير وقت أذان المغرب حتى تشتبك النجوم في السماء، وفي ذلك مخالفة للسنة واضحة والهدي الأول، أما إذا كان فطره على شيء يسير كشربة ماء لن يترتب عليه تأخير الأذان؛ فلا بأس.

وإذا كان المؤذن لا ينتظر أذانه أحد كما لو كان يؤذن لنفسه -كرجل في الصحراء بمفرده -، أو يؤذن لجماعة حاضرين قريبين منه -كجماعة مسافرين -؛ فلا حرج عليه من الفطر قبل الأذان، لأن أصحابه سيفطرون معه ولو لم يؤذن، ولن ينتظروا أذانه.
وقد نتساءل أيضا أيهما أَوْلى وأفضل: الاشتغال بإجابة الأذان أم تعجيل الإفطار؟

اختلف العلماء في حكم إجابة المؤذن ومتابعته في كلمات الأذان والصحيح -هو قول جمهور العلماء -: أن متابعته مستحبة غير واجبة. وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة.

كما أفاد أهل العلم وجمعا للأدلة أنه ليس هناك تعارض بين تعجيل الفطر والترديد خلف المؤذن ، فيستطيع الصائم أن يبادر بالفطر بعد غروب الشمس مباشرة ، وفي الوقت نفسه يردد خلف المؤذن ، فيكون قد جمع بين الفضيلتين : فضيلة المبادرة بالفطر ، وفضيلة الترديد خلف المؤذن .

ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتكلمون على طعامهم ، ولا يرون الطعام شاغلاً لهم عن الكلام ، مع التنبيه أن تعجيل الفطر يحصل بأي شيء يأكله الصائم ولو كان شيئاً يسيراً ، كتمرة أو شربة ماء ، وليس معناه أن يأكل حتى يشبع .

وكذلك يقال أيضاً إذا أذن الفجر وهو يأكل السحور ، فيمكن الجمع بين الأمرين بلا مشقة ظاهرة .

غير أنه إذا كان المؤذن يؤذن للفجر بعد دخول الوقت ، فيجب الكف عن الأكل والشرب عند سماع أذانه .
إذا تعمد تأخير أذان المغرب بدعوى الاحتياط وتكين الوقت من البدع المنكرة، و بلية من البلايا التي عمّت بلاد المسلمين؛ والتي أدت بالتالي إلى بدعة أخرى، وهي: تأخير الفطور؛ والذي في تعجيله عنوان بقاء الخيرية في الأمة الإسلامية، وعلامة ظهور الملة المحمدية؛ حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه، قال الحافظ ابن حجر: "من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجةٍ لتمكين الوقت زعموا، فأخّروا الفطور وعجّلوا السحور وخالفوا السنة، فلذلك قلّ عنهم الخير وكثر فيهم الشر، والله المستعان" فتح الباري (4/199).

ونرد أيضا على من يرى الفضل في تأخير الفطر قال الإمام الشافعي: "وأحب تعجيل الفطر وترك تأخيره، وإنما أكره تأخيره إذا عمد ذلك كأنه يرى الفضل فيه" الأم (2/128).

وأيضا من البلايا التي وقع فيها المؤذنون قبل الصائمون وهي الانشغال عن تعجيل الإفطار بأدعية مخترعة،، والصحيح أنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أدعية الإفطار إلا ما رواه أبو داود، والحاكم عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال: ذهب الظّمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله". وانظر "إرواء الغليل"(920).

أما حديث: "إنّ للصائم عند فطره لدعوة ما ترد" وما في معناه، فحديث ضعيف عند أهل الصنعة الحديثية؛ وقد أشار الإمام ابن القيم إلى تضعيفه في "زاد المعاد". وقال الشيخ الألباني: إسناد هذا الحديث ضعيف. ويغني عنه حديث ((ثلاث دعوات لا ترد، دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر)) رواه الإمام أحمد وغيره، وصححه ابن حبان، وله شواهد بألفاظ مختلفة. وانظر "تصحيح الدعاء"(ص506).

والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

إرسال تعليق

 
Top