0

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

العلم هو علاقة بين شيئين مقطوع بها يؤكدها الواقع وعليها دليل :

أيها الأخوة الكرام، موضوع جديد ربما استغرق بضعة دروس، جديد وفريد ذلك أن المعلومات النظرية في الدين نافعة جداً لكنها تفتقد إلى شواهد عملية، لذلك حينما تقرأ سنة رسول الله تستفيد منها أيما فائدة، أما حينما تقرأ سيرته تشعر أن هذا الحق الذي جاء به النبي طبقه، فأنت أمام حقيقة مع البرهان عليها، ولا أحد يقبل أن يكتفي بمعلومات نظرية، أما إذا طبقت، إذا انقلبت إلى واقع، إذا انقلبت إلى خبرة يومية يعيشها الإنسان هذا يؤكد المنطلقات النظرية. النظرية انقلبت إلى واقع
لو قال أحدهم: أنا اكتشفت أنه يمكن أن نبني بناءً من دون حديد ونوفر ألوف الملايين وجاء بأدلة وآراء منطقية ورائعة، نحن قلنا له: ابني بناءً أمامنا من دون حديد، فلما بنى البناء وقع البناء كله، يا ترى ما الذي سقط البناء أم النظرية؟ النظرية انتهت، فالواقع هو الذي أنهى النظرية، لذلك الواقع هو الأصل، بل إن تعريف العلم أنه وصف مطابق للواقع مع الدليل، فأية حقيقة لن يؤكدها الواقع لا قيمة لها تعد جهلاً، بل إن من بعض تعريفات العلم أنه علاقة بين شيئين مقطوع بها يؤكدها الواقع وعليها دليل، لو لم يكن مقطوع بها لكانت وهماً ثلاثين بالمئة، شكاً خمسين، ظناً سبعين، قطعاً مئة بالمئة، بالعلم لا يوجد ظن ولا شك ولا وهم، يوجد اضطرار، ثبوت، وقطع.
علاقة بين شيئين مقطوع بها، لو لم يكن مقطوع بها لكانت شكاً أو وهماً أو ظناً، الآن يؤكدها الواقع لو لم يؤكدها الواقع كانت جهلاً، قد يتوهم أحدكم أن الجاهل هو الذي ليس عنده معلومات، الجاهل قد يكون ممتلئاً من المعلومات ولكن كلها معلومات مغلوطة، اجلس مع إنسان من أهل الدنيا تسمع كلاماً غريباً، أي شيء يقدم له نفعاً يعده مشروعاً، أي شيء يحرمه من أي شيء من الدنيا يعده مرفوضاً، فمقياسه مصلحته، ليس هناك مبدأ يحكمه، فإن لم توافق الواقع كانت جهلاً، وإن لم يكن عليها دليل كانت تقليداً. فالعلم لا يحتمل شكاً، ولا ظناً، ولا وهماً، ولا مخالفةً للواقع، ولا تقليداً، لا يوجد دليل تقليد، ما طابقت الواقع جهل، لن يكن مقطوعاً بها وهم، ظن، شك.

الأسوة>أكبر مهمة للأنبياء :

إذاً الوصف المطابق للواقع مع الدليل، يأتي النبي عليه الصلاة والسلام ويحدث الناس، أهم من حديثه لهم واقعه، سلوكه، مواقفه، فالذي يشد الناس حقيقة يؤيدها الواقع، وأنا أقول لكم: الحق دائرة لا بد من أن تتقاطع فيها أربعة خطوط، خط النقل الصحيح وهو الكتاب والسنة، وخط العقل الصريح، وخط الفطرة السليمة، وخط الواقع الموضوعي هذه إذا تضافرت كونت الحق، لأن النقل كلام الله قرآناً، وبيان النبي لهذا القرآن حديثاً، والعقل مقياس أودعه الله فينا فهل يعقل أن يتناقض هذا المقياس مع كلام الله؟ والفطرة جبلة جبلنا عليها من صنع الله أيضاً، والواقع خلقه فلا بد من أن يتوافق خلقه مع جبلته مع مقياسه مع كلامه، لا بد من أن تتوافق الفطرة مع العقل مع الواقع لذلك أكبر مهمة للأنبياء الأسوة، قال تعالى:

﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾

[ سورة الأحزاب: 21]

الآن ملاحظة نحن في هذا العصر، في عصر الاتصالات، في عصر الزخرف، قال تعالى:

﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة يونس: 24]

كل مؤمن له اتصال حقيقي بالله عز وجل:

نحن في عصر استعار الشهوات، نحن في عصر شيوع الضلالات، نحن في عصر تفكك الأسرة، نحن في عصر غلبت المصلحة على المبدأ، والحاجة على المثل إلى آخره، ما الذي يشدنا إلى الدين؟ إنسان بالعصر العباسي عرف الله أم إنسان يعيش معنا عرف الله؟ الذي يعيش معنا يشدنا أكثر لماذا؟ لأنه واقع تحت الظروف التي نعيشها ظروفنا ظروفه، الضغوط هي نفسها، الإغراءات هي نفسها، الشبهات هي نفسها، الشبهات والضغوط والإغراءات كلها واحدة ومع ذلك انتصر على نفسه وعرف الله. هذه مقدمة، قبل أسابيع وقع تحت يدي كتاب ما كنت أظن أن فيه عمقاً بهذا العمق، رجل أستاذ في الجامعة في أمريكا، من حيث الذكاء متفوق تفوقاً عجيباً، كان أستاذه في الجامعة يقول له: اخرج من القاعة ولك علامة تامة، لأنه إذا دخل أربك أستاذه، تلقى التعليم الديني في المرحلة الثانوية، لم يقدم له أستاذ التربية الدينية الأدلة التي تقنعه على وجود الله، هدده أستاذه أن يجعله مع الراسبين، عندما علم أبوه بهذا أقام عليه النكير ثم اتخذ الإلحاد مذهباً له، صار ملحداً وتابع دراسته ووصل إلى أعلى مرتبة في جامعة من جامعات أمريكا، وصار أستاذاً في هذه الجامعة وهو ملحد، لم يكن يخشى من إلحاده، الأدلة التي جاء بها رجال الدين لم تكن كافية عنده على أن تؤكد له وجود الله عز وجل. هذا الملحد الألمعي، الذكي، العبقري، جالس في مكتبه دخلت عليه فتاة يقول هذا المؤلف: لن أستطع نسيان تلك الفتاة الشابة التي جاءت إلى مكتبي تطلب المساعدة، عندما فتحت الباب وجدت أمامي امرأةً غامضةً، بدت وكأنها من الشرق الأوسط، كانت مغطاة بالثياب السود بشكل كامل من رأسها إلى قدمها، لقد طلبت مساعدتي من الجانب النظري في حقل دراستها، وقالت: إن أستاذها أرشدها إلي، كان أستاذه يستعين به لشدة تفوقه، وافقت على مساعدتها وسرعان ما تحطمت الصورة التي كنت قد كونتها مسبقاً عن النساء العربيات، لقد كانت طالبة دراسات عليا في الرياضيات وكانت معيدة في قسم الرياضيات ولكني لم أستطع تخيلها وهي تقف بتلك الملابس أمام صف من سكان إنديانا الأصليين، ولكن في الوقت نفسه دققوا الآن، كان لها وقار واتزان جعلاني أشعر بالخجل من نفسي لقربها، وجدت نفسي محاولاً عدم التحديق بها من شدة هيبتها، قال: شعرت أن في داخل هذه الفتاة قوة مجهولةً شدتني إلى أن أحادثها، فيها قوة، بعد أن التقى بهذه الفتاة قال: بدأت أهتم بدراسة الديانات الأخرى.

الإنسان إذاأحكم اتصاله بالله عز وجل ملك ما يسمى بالقوة الروحية:

المسلمة بحجابها دعوة
أي أن منطلق هذا الأستاذ للإيمان بالله هذه الفتاة المحجبة، المؤدبة، المحتشمة، الذكية، التي تعمل معيدةً في الجامعة، شعر أنه بحاجة إلى أن يحادثها، شعر بقوة خفية فيها، شعر بوقار واتزان، شعر بخجل أن يكون قريباً منها، شعر بحياء أن ينظر إليها، من هنا انطلق لدراسة الدين الإسلامي.
التعليق على هذه القصة، أن المسلم أحياناً هو نفسه دعوة وإن لم يتكلم كلمة واحدة، سمته، وأدبه، ووقاره، واتصاله بالله عز وجل، وتألقه، وهذه القوة الخفية فيه بسبب اتصاله بالله عز وجل، عنده قوة نفسية بتعبير آخر عنده زخم روحي، المؤمن متصل بالقوي، المؤمن متصل بالعليم، بالحكيم، المؤمن يشعر بقوة كبيرة جداً وكل مؤمن له اتصال بالله عز وجل حقيقي يوجد حوله هالة كأنه يشع نوراً، كأنه يشع نوراً يطمئن من حوله، واثقاً من نفسه، واثق من أن الله معه لن يخزيه. كل واحد منا إذا أحكم اتصاله بالله عز وجل ملك ما يسمى بالقوة الروحية، هو ساكت له تأثير، قوة آسرة، إنسان ملحد، فتاة مسلمة محجبة، وقورة، متزنة، في داخلها قوة خفية شعر بخجل أن يكون بقربها، استحيا أن يحدق فيها، هذا المنظر دفعه إلى أن يدرس الإسلام هذه واحدة. إذاً كل مؤمن داعية، قبل أن يقول كلمة واحدة، اتصاله بالقوة العظمى بالكون، اتصاله بالحدود اللا نهائية للكون، إدراكه لقيمته في الحياة، إدراكه لرسالته تجعل منه دعوة بأكملها، قال تعالى:

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

[ سورة النحل: 120]

الملحد عالمه صغير وحدود عالمه متناقصة وهو يشك في كل شيء:

يقول هذا الرجل: لا أحد يعرف الوحدة والوحشة كالملحد، حينما يشعر الشخص العادي بالعزلة يستطيع أن يناجي ربه من خلال أعماق روحه، يناجي الواحد الأحد الذي يعرفه، يناجيه وينتظر استجابته، فهو يأنس به، أما الملحد لا يسمح لنفسه بتلك النعمة لأن عليه أن يسحق هذا الدافع وأن يذكر نفسه بسخفها، فالملحد عالمه صغير، صغير وحدود عالمه متناقصة وهو يشك في كل شيء. هو كان ملحد، أنا مرة تذكرت أن الذي قال: لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف، هذا القول كنت أذكره عشرات المرات ولكن قبل سنة أو أكثر تنبهت إلى أن قائل هذا القول كان سلطاناً، كان ملكاً وترك الملك زهداً وصار عارفاً لله، هو الإنسان الوحيد الذي يصدق لأنه عاش في الملك وعاش في معرفة الله، قال: لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف. يقول هذا المؤلف: إن الرجل المؤمن يمتلك إيماناً بأشياء تفوق إحساسه وإدراكه، في حين أن الملحد لا يستطيع أن يثق بشيء وليس عنده حقيقة مطلقة، إن مفاهيم الملحد عن المحبة والرحمة والعدالة في تبدل وفي تحول ومفاهيم ضبابية لا معنى لها، لذلك هو في وحشة كبيرة. الملحد يريد أن يلبي حاجة الخلود من خلال كتابة مؤلف، اختراع شيء، هو بحاجة الخلود والموت أمامه واضح، لأنه أنكر الآخرة صار عنده خلل، الإنسان مفطور على حب وجوده وعلى حب سلامة وجوده وعلى حب كمال وجوده وعلى حب استمرار وجوده، الإنسان حينما يؤمن بالله يحقق الاستمرار، قال تعالى:

﴿ وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ﴾

[ سورة آل عمران: 158]

المؤمن متوازن يعلم علم اليقين أن هناك موت ولكن هذا الموت ليس نهاية الحياة بل بداية الحياة، قال تعالى:

﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾

[ سورة الفجر: 24]

حب الاستمرار والخلود محقق في حياة المؤمن :

الإيمان بالآخرة، الإيمان بالجنة يلبي بالإنسان حب الاستمرار، الملحد يحب الاستمرار من خلال اختراع، يقول: أخترع اختراعاً يسجل باسمي، أموت يبقى ذكري في الأرض لمئات السنين، لا يوجد حل ثاني، هو يوقن أنه انتهى ولكن يبقى فكرة في أذهان الناس، هكذا يؤمن الملحد بالخلود لكن المؤمن يعيش حياةً حقيقية، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾

[ سورة آل عمران: 169]

السعادة مستمرة بالعمل الصالح

وازن، الملحد يؤلف كتاب، يؤلف قصة، يعمل عمل فني، يخترع شيء حتى يردد اسمه بعد موته، لا يوجد عنده إلا هذا الخلود، المؤمن ولو أنه انتقل إلى الدار الآخرة ينتقل إلى حياة أعلى، حب الاستمرار والخلود محقق في حياة المؤمن.

الآن يوجد حقيقة مهمة جداً، هذه تعرفونها جميعاً ولا تخفى على أحد، ليس في الدنيا كلها شيء يمنحك سعادة مستمرة، طالب يحلم بالشهادة الثانوية، أحياناً يبقى ساعات طويلة بعد أن يستلقي على فراشه يحلم أني بعد حين صار معي شهادة ثانوية بمجموع عالٍ، يتلقى نبأ النجاح وبعد يومين أو ثلاثة تتلاشى هذه السعادة وانتهى الأمر، دخل الجامعة يحلم أن ينجح، أن يحمل لسانس، يحمل إجازة، يحلم أربع سنوات، يتلقى نبأ النجاح بعد أيام معدودة تلاشت هذه السعادة، يظن أنه إذا تزوج سوف ينغمس بالسعادة، يتزوج يكون في أيام الخطبة يمضي ساعات على الهاتف مع مخطوبته، بعد أن يتزوج الزواج شيء عادي وأقل من عادي، يشتري مركبة أول جمعة لا ينام الليل من مكان إلى مكان، بعد أسبوعين ثلاث انتهى شيء عادي جداً، ينتقل إلى بيت واسع أسبوعين بعد ذلك فقد هذا البيت ألقه وبريقه.

ليس في الدنيا كلها شيء يمكن أن يمدك بالسعادة المستمرة، طبعاً متزايدة مستحيل، مستمرة مستحيل، متناقصة أقرب إلى الواقع وأمدها قصير، وهذه حقيقة بين أيديكم.

كل شيء في الدنيا يتناقص إلا محبة الله ومعرفته :

يقول هذا الأستاذ: لقد أمضيت خمس سنوات من العمل الدؤوب في موضوعي وها أنا أنتظر نتيجة هذا العمل على أحر من الجمر، وفجأةً فتح أحدهم الباب ليحييني بكلمات، قال له: مبارك يا دكتور لقد نجحت، بحسب تصوره هذا النجاح يجب أن يمده بسعادة كبيرة ولكن بينما كنت عائداً إلى منزلي بدأت فرحتي بالتلاشي وكنت كلما حاولت استرجاعها غمرني مزيد من الشعور بالسوداوية وخيبة الأمل والمرارة. هذه حقيقة مهمة جداً كلكم سوف ترونها، قبل الزواج الزَواج كبير، تتزوج صار صغير، قبل الغنى الغِنى شيء كالحلم، تملك المال صار صغيراً، فشهوات الدنيا واحدةً واحدة أروع ما فيها قبل أن تصل إليها، فإذا وصلت إليها زهدت فيها، حتى أنهم قالوا: مجنون ليلى لو تزوجها لطلقها، لأنه حيل بينه وبينها عاش عمره في التغزل بها. كل شيء في الدنيا يتناقص إلا محبة الله، إلا معرفة الله، فأكبر كلمة تأثرت بها يوم كنت في أمريكا أنني رأيت إنساناً بلا هدف، يمشي في طريق مسدود، ولاسيما كبار السن، كبار السن هناك الأعمار تزيد عن الخامسة والثمانين، معدل العمر هناك خمسة وثمانون، هؤلاء المتقدمين في السن يعيشون بولاية في بيوت متنقلة، بيت فيه غرفة ضيوف غرفة نوم كل شيء فيه ولكن يفكك وينقل، هكذا نظامه، من شدة الملل من شدة السوداوية، من شدة الشعور بنهاية الحياة فهذا لا يحتمل أن يكون في مكان واحد، فكلما أمضى شهرين أو ثلاث في مكان نقل بيته إلى مكان آخر. أما المؤمن يكون ساكن في غرفة تحت الأرض ولكن لأنه عرف الله، ولأن له رسالة كبيرة، ولأنه يسعى لجنة عرضها السموات والأرض، ولأنه يتلقى من الله الشعور بالرضا يسعد بأصعب ظرف، قد تجد بيت ثمنه مئة مليون وأصحابه يعيشون في شقاء ما بعده شقاء، أنا مرة دخلت إلى بيت، ما رأيت بيتاً أشد تواضعاً من هذا البيت في الجادة الأولى من قمة الجبل، الأولى من فوق، بلاط لا يوجد، فيه بساط من بقايا قطع القماش، البيت نظيف، غرفة ومنافعها وممشى، شعرت أن في هذا البيت من السعادة ما لا يوصف، هؤلاء الذين عرفوا الله واتصلوا به هؤلاء أينما كانوا يسعدون، بأي شرط من شروط الحياة هم راضون، العبرة أن تتصل بالله، تصور قطاراً فخماً جداً، يوجد قطار خمس نجوم لا أعتقد، قطار خمس نجوم، مقاعد وثيرة، لوحات زيتية، طاولات متحركة، تكييف، لو أغلقنا النوافذ في هذا القطار والطريق إلى حلب تنظر إلى المقاعد، والمنظر استوعبته، ومن ثم تضيق نفسك، اركب قطار الزبداني الذي صنع سنة ألف وتسعمئة وستة وثلاثين، إذا النافذة مفتوحة والقطار يسير أنت مسرور، تتنقل من منظر إلى منظر، القطار الفخم جداً مع إغلاق النوافذ أصبح جحيماً، والقطار القديم جداً مع فتح النوافذ أصبح نعيماً.

النظام الإسلامي نظام الزواج المقدس :

أنت عندما تكون مع الله وفاتح نافذة لك، هناك تجدد في حياتك، إذا أنت مع الدنيا، الدنيا محدودة اسأل من يسكن أفخر بيت، والله هذا البيت الفخم يعتاد عليه وكأنه ليس بفخم، انظر إلى مكتب تجاري مكلف ملايين تزيينه، صاحب المكتب ملَّ منه، هذه قاعدة. قال: أخذت دكتوراه، وتذكرت شعوراً بالسوداوية وخيبة الأمل والمرارة. نظام الزواج مقدس
الإنسان غير المؤمن ـ اسمع لهذا الوصف ـ حينما يخطط هو ولا يتبع منهج الله يشقى، إنسان بلا منهج تزوج، قال: اتفق مع زوجته على أن هذا الزواج ليس التزاماً دائماً بل مؤقتاً، بل بمقدورنا أن ننهيه بمودة، إذا ما بدا لأحدنا أو كلينا بدى لنا فرص أكمل، تصور إنسان تزوج امرأة وبعد أن تزوجها بسنة وجد فتاة عندها بيت، وهذه أحسن يطلق القديمة ويتزوج الجديدة، والأولاد؟!! هذا النظام نظام ناتج من البعد عن الله عز وجل، اتفاق رسمي اتفق معها على أن هذا الزواج ليس التزاماً دائماً بل بمقدورنا أن ننهيه بمودة إذا ما بدى لأحدنا أو كلينا فرص أكمل، وبالفعل بعد عدد من السنوات طلقها ووجد فرصة أكمل فطلقها. لا يوجد استقرار، من فضل الله في بلادنا الإسلامية قبل هذه الموجة من التفلت وقبل هذه الموجة من الغزو الثقافي الفضائي والذي أحال البيوت إلى ملاهي وإلى نوادي ليلية، قبل هذه الموجة كان هناك استقرار والحمد لله، هذه زوجته باستمرار، أما على هذا التفلت ارتفعت نسبة الطلاق.
سمعت من اثنين بالألف إلى خمسة عشر بالمئة نسب الطلاق، بأمريكا خمسة وستين بالمئة، أطول زواج سنتين إذا في فرصة أخرى فيها شروط أفضل نتخلى عن هذه الفتاة ونأخذ الثانية، ويوجد عند الفتيات قلق مخيف أنه لا أحد يقبلها دائماً، وحين يذهب جمالها ماذا تفعل؟ تعيش بمفردها، يوجد إحصاء في فرنسا، نصف سكان فرنسا من النساء ونصف النساء في فرنسا يعشن وحدهن، بيت فيه امرأة واحدة، النظام الإسلامي نظام الزواج المقدس، قال تعالى:

﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً ﴾

[ سورة النساء: 21]

الله عز وجل ينتظر من عبده المؤمن أن يذكره كما يذكر أباه لأن الأب مقدس :

هذا العقد المقدس مع إنجاب الأطفال، مع تربية الأولاد، مع المودة والرحمة من أروع ما في هذه الآية، قال تعالى:

﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الروم: 21]

ما دام يوجد مصالح متبادلة الزوج غني والزوجة شابة، يوجد مصالح متبادلة جعل الله بينهم المودة، فلو تعطلت هذه المصالح افتقر الزوج يوجد رحمة، كم من امرأة صالحة تعمل لتطعم زوجها المريض، وكم من زوج صالح يجهد لرعاية زوجته المريضة، وجعل بينكم مودة ورحمة.

أما في النظام الغربي إذا في فرصة طارئة جديدة، مرة رجل شاب واقف على جانب نهر السين، يوجد رجل ذهب إلى فرنسا بمهمة وقف على هذا النهر فوجد شاب مسترسل كأن يوجد مشكلة عنده، أحب أن يجرب لغته الفرنسية فسأله: لماذا أنت هكذا؟ قال له: دعني وشأني، فقال له: بربك ما الذي تفكر به، قال: والله أفكر بقتل أبي، فقال له: ولم؟ لأن عندنا الأب مقدس. الله عز وجل ينتظر من عبده المؤمن أن يذكره كما يذكر أباه، قال تعالى:

﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾

[ سورة البقرة: 200]

﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَأخوانكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 24]

بدأ الله بالأب، فقال له هذا الشاب: لأنني أحب فتاة أخذها مني.

الإنسان حينما يطلب الحقيقة يعرفها :

هذا النظام الغربي، عندنا الأب يعيش لأولاده، هناك إذا بلغت البنت الرابعة عشر تركل بالقدم خارج البيت كي تعمل وتأكل، إما أن تدخل إلى بيوت وتنحرف هذا شيء بسيط جداً، أساساً كل مشكلة كلينتون ليست بالزنا بل بالكذب، شيء بسيط جداً، لماذا كذب؟ مجتمع قائم على البعد عن الله عز وجل، فهذا الزواج إذا وجد ظرف آخر بشروط أفضل ينتهي هذا الزواج ويأخذ الثانية، طبعاً أنا إن شاء الله يجب أن تعرفوا حقيقة الحياة الغربية، هذا كلام صادق من إنسان عاشها وعاش شقاءها ثم عرف الله، يوجد فصول قادمة إن شاء الله مهمة جداً، هذه تجربة إنسان يعيش هذا العصر، يعيش تجربة هذا العصر الشبهات، الضلالات، التفلت، الإباحية، وهو في هذا المستنقع عرف الله. كم هو سعيد من عرف الله
والله أيها الأخوة، انتابته مشاعر تنتاب كبار المؤمنين، سُئل استهزاءاً: ما هو شعورك في الخطبة يوم الجمعة عندما تصلي في المسجد الصلوات الجهرية وأنت لا تعرف العربية؟ فقال: ما هو شعور الطفل الرضيع وهو على ثدي أمه وهو في حضنها وتناغيه وتخاطبه وهو لا يفهم من كلامها شيء، إنه في قمة السعادة مع أنه لم يفهم من كلامها شيئاً، هكذا كان شعوره.
ونحن آن الأوان أن نعرف الحقيقة، هذا إنسان ملحد وأستاذ جامعي وعاش في ظروف بعيدة عن ظروفنا مئة بالمئة، أي لا شيء اسمه عادات، تقاليد، خجل، حياء، عدم اختلاط، إباحية مطلقة، كل شيء مسموح به؛ زواج مؤقت، ومع ذلك شعر بحاجة إلى أن يعرف الله، وحينما عرف الله شعر أنه ولد من جديد. أيها الأخوة الكرام، عود على بدء، لماذا اخترت هذا الموضوع المعاصر؟ لأن إنساناً عاش هذا العصر وخضع لكل إغراءاته، وخضع لكل شبهاته، وخضع لكل ضغوطه، وخضع لكل زيفه، هذا الإنسان حينما طلب الحقيقة عرفها، وحينما أراد الله عز وجل وصل إليه، بعد حين أقرأ لكم بعض الفصول قد لا تصدقون إنسان في هذه البيئة، وبهذه العقلية، وبهذا الفكر العلماني الإلحادي يصل إلى الله بهذه القوة، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾

[ سورة ا العنكبوت: 69]

فعار علينا أن يكون هؤلاء الملحدين في قمة السعادة مع ربهم والمسلم الذي نشأ في بيته وهو يصلي الصلوات الجهرية ولا يفهم شيئاً من الإمام لكنه يبكي، وأنت تستمع إلى صلاة بأحكام التجويد تفهم الكلمات كلمة كَلمة وتفكر في حساب الصندوق، ناقص خمسة آلاف أين ذهبوا وأنت في الصلاة، هل هذا معقول؟ علكم تغارون، ذكرت هذا الموضوع في درس ديني من أجل أن تعرف كم هو سعيد من عرف الله.

الفرق الكبير بين التعصب والتمسك :

قد ينتقل الإنسان نقلة مفاجئة من الشقاء إلى السعادة، ومن الضياع إلى الوجدان، من العبث إلى الهدف، إن شاء الله نمضي عدة دروس في هذا الموضوع وأرجو الله سبحانه وتعالى بأن أوفق بأن تضعوا أيديكم على حقيقة الإيمان.
أختم الدرس بهذه الحقيقة ذكرتها قبل يومين: يوجد في الكون حقيقة واحدة هي الله، الآن دقق أي إنسان اتصل بهذه الحقيقة من أي جنس، من أي عرق، من أي قارة، من أي ثقافة، من أي انتماء، من أي عقلية، من أي وضع اقتصادي، من أي وضع اجتماعي، تنتابه مشاعر متشابهة مع كل المؤمنين في العالم.
الدين هو عامل الوحدة بين المسلمين
أي إن قرأ الإنسان قصة أو تجربة هذا الملحد الذي عرف الله قد تجد نفسك في هذا الكتاب، وقد تستوحش من أخيك النسبي الذي ولد معك وتربى في بيت واحد، وأبوه وأمه واحدة، أبوه أبوك وأمه أمك وأنت في وحشة منه، بينما تقرأ حياة ملحد عاش في أمريكا وعاش في اختصاص نادر عندما وصل إلى الله تجد في تجربته تجربتك، وفي مشاعره مشاعرك، وفي أحواله أحوالك، وفي خبرته خبرتك، لذلك الدين عامل وحدة، أما التعصب للدين عامل تفرق، كلامي واضح حقيقة الدين عامل وحدة، قواسم مشتركة، قيم مشتركة، مبادئ مشتركة، مشاعر مشتركة، اهتمامات مشتركة، أما التعصب للدين يفرق الأمة، فكن متمسكاً ولا تكن متعصباً إذا كنت متمسكاً، التقيت مع كل المؤمنين في العالم وإذا كنت متعصباً يوجد خصومات بين أفراد الحلقة الواحدة والجماعة الواحدة، وبين كل جماعة وأخرى ترى المجموع إسلامي إما متفرقون، متشاكسون، متعادون، يطعن بعضهم ببعض، هذا التعصب إياك أن تتعصب، تمسك إذا تمسكت بقواعد منهج الله ووصلت إلى الله صار كل مؤمن في العالم أخوك، أما إذا تعصبت وانحزت انحيازاً أعمى لجهة، أو لجماعة، أو لطائفة، ولم تكن في المستوى الحقيقي للدين نشأت عن هذا التدين عداوات لا تنتهي.
فرق كبير بين التعصب والتمسك، في التمسك تألق، في التعصب عداء، في التمسك وصول إلى الله، في التعصب بعد عنه، الدين هو العامل الوحيد لوحدة الأمة، لأن هناك مئة قاسم مشترك بينك وبين المؤمنين، والدليل اجلس مع إنسان من أقصى بلاد الدنيا تجده أقرب الناس إليك واجلس مع أخيك النسبي إن لم يكن مؤمناً تشعر بوحشة كبيرة منه، وإلى دروس قادمة في هذا الموضوع.

والحمد لله رب العالمين

إرسال تعليق

 
Top