يشترط للدَّين المانع للزكاة شروط مهمة، ذكرها الفقهاء، وهي كما يلي:
الشرط الأول:
ألا يجد ما يقضيه به سوى النصاب، أو يجد غير النصاب، لكنه لا يستغني عنه؛ لكونه من حاجاته الأصلية، كمسكنه وكتبه وثيابه ونحوها.
قال
المرداوي من الحنابلة: "لو كان له عَرَض قُنْيَة يباع لو أفلس يفي بما
عليه من الدين، جعل في مقابله ما عليه من الدين، وزَكَّى ما معه من المال
على إحدى الروايتين"[الإنصاف مع الشرح الكبير 6/344.1].
وضابط ما يُجعل مقابل دينه هو كل ما يباع لو أفلس[الإنصاف مع الشرح الكبير 6/344.].
واعتبار
هذا الشرط هو قول المالكية[حاشية الخرشي 2/490 ]، وأبي عبيد، وهو مقتضى
قول الشافعي، كما قال أصحابه، ورواية عن أحمد، اختارها القاضي من
أصحابه[الإنصاف مع الشرح 6/344.].
واستدلوا بما يلي:
1- اعتبارًا بما فيه الحظ للمساكين[الإنصاف مع الشرح 6/344.].
2- لأنه مالك لنصاب فاضل عن حاجته وقضاء دينه، فلزمته زكاته كما لو لم يكن عليه دين[المغني 4/268].
3- أنها مال من ماله يملكه فيكون مكان دينه[الأموال ص443].
وذهب
الأحناف[حاشية ابن عابدين 2/262]، ورواية عن أحمد هي المذهب، وهو قول
الليث بن سعد[الإنصاف مع الشرح الكبير 6/344] إلى عدم اشتراط هذا الشرط.
وعللوا ذلك بأن عرض القنية كملبوسه في أنه لا زكاة فيه، فكذا فيما يمنعها، ولئلا تختل المواساة [مطالب أولي النهى 2/463].
جوابه:
يمكن
أن يجاب عنه بأن عرض القنية الزائد عن الحاجة يشبه الملبوس في عدم الزكاة،
لكنه يفارقه أن الدين يقضى منه عند الإفلاس، واعتبار هذا المعنى في سداد
الدَّيْن منه لا من النصاب أولى.
الراجح:
الأقرب للصواب - إن شاء الله - القول الأول.
يقول أبو عبيد لما ذكر هذا القول: "وهذا عندي هو القول؛ لأنه الساعة مالِكٌ لزيادة ألف عين على مبلغ دينه، ألا ترى أنه لو لم يكن له الألف كان لغريمه أن يأخذ بالدين حتى تباع العروض له" [الأموال ص(443)].
قلت:
ورجحان هذا القول ظاهر جدًّا، بل إن ابن قدامة استبعد القول الثاني عن
الإمام أحمد فقال: "ويحتمل أن يُحمل كلام أحمد ها هنا على ما إذا كان
العَرَض تتعلق به حاجته الأصلية، ولم يكن فاضلاً عن حاجته، فلا يلزمه صرفه
في وفاء الدَّين؛ لأن حاجته أهم؛ ولذلك لم تجب الزكاة في الحُلِي المعَدِّ
للاستعمال، ويكون قول القاضي محمولاً على من كان العرض فاضلاً عن حاجته،
وهذا أحسن" [المغني 4/267].
الشرط الثاني:
أن يكون تعلُّق الدين بذمته قبل الحول ووجوب الزكاة عليه،
فإن أداه بعد الحول ووجوب إخراج الزكاة لم يسقط ما قد وجب عليه منها،
وإنما يؤثِّر الدَّين في منع وجوب الزكاة لا في إسقاطها بعد وجوبها
[المنتقى للباجي 2/117].
وهذا الشرط لم أجد فيه خلافًا بين الفقهاء[حاشية ابن عابدين 2/263، 264].
الشرط الثالث:
أن يكون الدَّين مستغرقًا للنصاب، أو مُنقِصًا له، أما إذا كان لا ينقص من النصاب،
فإنه يزكي الباقي، مثاله: لو كان له مائة من الغنم وعليه دين يقابل ستين
منها، فعليه زكاة الأربعين الباقية؛ لأنها نصاب تام، فإن قابل الدَّين إحدى
وستين، فلا زكاة عليه؛ لأنه - أي الدَّين - ينقص النصاب[كشاف القناع
2/176].
وهذا الشرط لم أجد فيه خلافًا بين الفقهاء[المقصود بالفقهاء هنا: القائلون بأن الدين يمنع الزكاة. والله أعلم.
إرسال تعليق