فضل الشهادتين
الحمد الله المتفرِّد بالعظمة والوحدانية، أحمده - سبحانه - وأشكره على ما هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله
أفضل مَن عبَدَ الله، اللهم صلِّ وسلم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى
آله وأصحابه، ومَن اهتدى بهديه، وسار على مِلَّته.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله، ﴿ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].
عباد الله:
عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن شهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلِمتُه
ألقاها إلى مريم ورُوح منه، وأن الجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على
ما كان عليه من العمل))[1]، وفي حديث عتبان: ((فإن الله حرَّم على النار مَن قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))[2].
أيها المسلمون، إن
هذه كلمة عظيمة، ألا وهي العروة الوثقى، وكلمة التقوى والإخلاص، وهي التي
قامت بها السموات والأرض، وجاء لتكميلها السنة والفرض، ولأجلها جُرِّدت
سيوف الجهاد، وبها ظهر الفَرق بين المطيع والعاصي من العباد، مَن قالها
وعمِل بها صدقًا وإخلاصًا وقبولاً ومحبة وانقيادًا، أدخله الله الجنة على
ما كان من العمل.
عباد الله،
إن كلمة التوحيد التي هذا فضلُها، وهو: دخول الجنة، والخروج من النار - هي
التي من أجلها خُلِق الخَلْق، وبُسِطت الأرض، وأُرسلت الرسل، وأُنزلت
الكتب، ورُفعت السماء، ولكن لا بد من معرفة معنى الشهادة بالعلم واليقين
والصدق والإخلاص، والعمل بمقتضاها، والكفر بما يُنافيها؛ ففي الحديث: ((مَن
قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حَرُم دمه وماله،
وحسابه على الله))[3]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 256]، والعروة الوثقى هي: لا إله إلا الله.
ومع الجهل والشك فلا تُعتَبر ولا تنفع،
وقد تضمَّنت هذه الكلمة العظيمة نفيًا وإثباتًا: فنفت الألوهية الحقة عن كل
ما سوى الله؛ بقولك: (لا إله)، وأثبتت الألوهية الحقة لله وحده بقولك:
(إلا الله)؛ قال تعالى: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ
أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ
قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
﴾ [آل عمران: 18]، قال ابن القيم: "الإله: هو الذي تألهه القلوب؛ محبة
وإجلالاً وإنابة، وإكرامًا وتعظيمًا، وذلاًّ وخضوعًا، وخوفًا ورجاء
وتوكُّلاً"[4].
وقوله: ((وأن محمدًا عبده ورسوله))؛ أي:
بصدق ويقين، وذلك يقتضي اتِّباعَه وتعظيم أمرِه ونهيه، ولزوم سنَّته - صلى
الله عيله وسلم - وألا تُعارَض بقول أحدٍ؛ لأن غيره - صلى الله عيله وسلم -
يجوز عليه الخطأ، والنبي - صلى الله عيله وسلم - قد عصمه الله تعالى،
وأمَرنا بطاعته والتأسي به، ورتَّب الوعيدَ على ترْك طاعته؛ بقوله تعالى: ﴿
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36].
وقال تعالى: ﴿ لَا
تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63].
قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك، لعله إذا ردَّ بعض قولِه أن يقع في قلبه شيءٌ من الزيغ فيَهلِك"[5].
وقوله: ((وأن عيسى عبد الله ورسوله)): فيه
بيان الحق الذي يجب اعتقاده نحو عيسى - عليه الصلاة والسلام - وفيه ردٌّ
على النصارى الذين جعلوه إلهًا وثالث ثلاثة أو ابن الله ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 43].
قوله: ((وأن
الجنة حق)): أعدَّها الله للمؤمنين يوم القيامة، وما فيها من القصور
والثمار والفواكه والنعيم المقيم، والنظر إلى وجه الله الكريم؛ كما قال
تعالى: ﴿ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 108]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].
وقوله:
((والنار حق)): أعدها الله تعالى لمن كفَر به، وألحد في أسمائه وصفاته،
وأشرك في ألوهيّته وربوبيته، ومَن لم يؤمن بالجنة والنار، فقد كفر بالقرآن
والرسل - عليهم الصلاة والسلام - فإن الله تعالى بيَّن الجنة وما أعدَّ
فيها للمتقين، وبيَّن النار وما أعدَّ فيها من العذاب، وأنه أعدَّها لمن
كفَر به وأشرك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ شَهِدَ
اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو
الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المؤمنين والمؤمنات، فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.
[1] رواه البخاري رقم (3252)، ومسلم رقم (28).
[2] البخاري (415)، ومسلم (33).
[3] رواه مسلم (23).
[4] مدارج السالكين ج 1/18.
[5] رواه ابن بطة العكبري في الإبانة (1: 260، برقم 97).
إرسال تعليق