د. أميمة بنت أحمد الجلاهمة
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام
اكاديمية سعودية في جامعة الدمام
حكومة بورما لا تريد للمسلمين هناك الحياة على أرضها أو خارجها، فهي تقتلهم وهم متوجهون لخارج الحدود، وترفض في الوقت نفسه عرض الحكومة الماليزية إرسال سفينتي إغاثة لكسر حصار المسلمين في أراكان! .
سيأتي يوم أحاسب عليه من قبل الديان سبحانه، وسيأتي يوم تحاسب عليه أيها القارئ الفاضل، فالحساب وارد علينا لا محالة، عندها آمل أن يتغمدنا الله برحمته ويعفو عن تخاذلنا في نصرة إخوة لنا ضعفاء مورس عليهم شتى أنواع الاضطهاد والتنكيل في "بورما" لا لشيء إلا أن يقولوا ربنا الله، إخوة لنا يئنون ليلا ونهارا، فلا صوتهم يسمع ولا أنينهم يصل، نساؤهم ثكلى وأطفالهم تيتموا ورجالهم عزل مكبلون بالأصفاد، وأنواع من التنكيل والتشريد والقتل والتمثيل مورس عليهم في وضح النهار وعلى مرأى رجال الأمن، الذين استكانت أنفسهم لسفك تلك الدماء الزكية وانتظروا إكمال مهام أولئك الوحوش ليتحركوا على هون وباتجاه معاكس، وهكذا تمادى سكان بورما البوذيون في غيهم وتمادوا في ظلمهم، فكيف لا وحكومتهم تصفق لهم، والعالم في شغله الشاغل لا هم له إلا حركة كرة القدم وفي أي شبكة ستستقر، عالم لن يأبه ولن يأبه بأنين مسلمي بورما.
ولكني لن أوجه اللوم لتلك الجمعيات التي تسيس توجيه التهم دون بينة، في حين ترمي في وجوه مسلمي بورما قطعة خبز، وتارة تلوم المجتمع الدولي وتهرع خارج الحدود بدعاوى هي في عرف الإنسانية باطلة، فلو حرضت العالم على قطع علاقاتها مع حكومة بورما فلن يستمر هذا الاضطهاد وذاك القتل والتمثيل، بل ستهرع الحكومة إلى إيقافها فورا، لا نصرة للحق ودفاعا عن الضعفاء بل خشية أن يصيبها الجوع والمرض كما أصاب مسلميها.
كما لن أوجه اللوم للغرب الذي يدعي رقيه ودفاعه عن الإنسانية، ولن أوجه اللوم لأميركا التي نصبت نفسها شرطي العالم، حامي حمى الضعفاء كما تدعي، لأني أعتقد يقينا أن هذه الدولة في الأصل لا تأبه بضعفاء بورما أو بغيرهم، فهمها منصب ابتداء على مصالحها الخاصة دون غيرها، هكذا تتحرك عجلتها السياسية في الداخل أو في الخارج، وعلى فرض تحركت فلن تفعل إلا لتعود إلى مكانها ساكنة.
أنا هنا أوجه اللوم لنا نحن المسلمين بشكل عام وللشعب السعودي بشكل خاص، فقد انشغلنا بتتبع أنفاس ذاك الأفّاق بشار وزبانيته، وتتبع ميدان التحرير وما يستجد فيه، والحشود التي تخطط لحرق السودان وتونس وليبيا ولبنان والأردن واليمن العزيز عما يحدث في "أراكان" من إبادة منظمة ومدعومة من حكومة بورما، هؤلاء الذين نسيهم التاريخ تجاهلتهم معظم قنواتنا الإعلامية، والتي إن ذكرتهم.. تذكرهم على استحياء.. أوجه اللوم لأمتي ولبلادي الغالية، أين نحن من أولئك المسلمين وهم مقبلون على شهر رمضان المبارك فلا أمن ولا أمان؟ وحتى الذين نجحوا وهاجروا مجبرين إلى "بنغلاديش" إنقاذا للأعراض من الانتهاك وللأرواح المهددة، لن يجدوا الطعام ولا الدواء ولا أبسط متطلبات الحياة الإنسانية فيها.
وأترك القارئ مع القلة القليلة من واقعهم اليومي في بورما، أو في بنغلاديش التي حصرتهم في مخيمات أشبه بالسجون، ففي بورما إذا أرادوا الخروج من قراهم عليهم الحصول على تصاريح بذلك، ويمنعون من الزواج إلا بتصريح، والضرائب تفرض عليهم بشكل عشوائي، والحكومة البورمية تمد الشرطة الموغ في أراكان بالسلاح ولا تتحمل رواتبهم تاركة لهم المجال لينهبوا ويسرقوا ويقتلوا المسلمين، فبتحريض من رهبانهم - البوذة - يتم زحف الماغ وبأعداد كبيرة إلى مناطق يسكنها من شهد (أن لا إله إلا الله محمد رسول الله) بغية تنفيذ حملات منظمة لإبادة المسلمين، وهناك تشرد أكثر من 700 طفل في الشوارع بعد أن تيتموا، وهؤلاء الأطفال يساقوا بالعشرات يوميا ليذبحوا في الغابات، وستجد في "أراكان" المقابر الجماعية احتضنت الآلاف من أجساد مسلمي بورما، كما حرقت المساجد وهدمت البيوت والقرى بالكامل، ومثل بأجساد المسلمين وهتكت أعراض نسائهم، وعند هروبهم الجماعي إلى "بنغلاديش" تقصف قواربهم بالطائرات البورمية، أو يجدوا الحدود موصدة في وجوههم، فقد أعلنت وزارة الخارجية البنغلاديشية أن مصلحة الدولة أهم من الأمور الإنسانية - للروهنجيين - مسلمي بورما، لذا هي تمتنع عن استقبال المزيد منهم، وتعتقل حتى الأطفال والنساء الذين يصلون إليهم فارين خائفين. ومن قبلت منهم فهم بحاجة ماسة إلى الغذاء والرعاية الطبية ومياه الشرب، والغريب أن ما يصل إلينا من أوضاعهم المأساوية هو أقل القليل، فمنطقة شمال أراكان وقرى مسلمي بورما ممنوعة وبشكل تام عن أي مراسل صحفي يحمل كاميرا وقلما بين يديه، والغريب أن حكومة بورما لا تريد لهم الحياة لا على أرضها ولا خارج أرضها، فهي تقتلهم وهم متوجهون لخارج الحدود، ترفض في الوقت نفسه عرض الحكومة الماليزية إرسال سفينتي إغاثة لكسر حصار المسلمين في أراكان! وهم اليوم يمرون بموسم الأمطار الغزيرة مما زاد من فداحة مصيبتهم.
اللهم ارحمهم وارفع عنهم وسخر لهم البلاد والعباد، وأعنا على ما تحب وترضى، وأذكر نفسي وأذكركم بقرب شهر رمضان الكريم، أعاننا الله على طاعته ونصرة عباده في بورما وسورية وفي كل مكان، فمسلمو بورما ليس أمامهم إلا القتل والتنكيل، أو الموت من الجوع والمرض فارين من وطنهم. فماذا نحن فاعلون؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي لعظيم.
إرسال تعليق