0
السؤال: حول تحريم التبرج[  ] 
الإجابة: أما بعد: فقد تغيرت الأحوال في هذه الأزمان، وابتلي الكثير من النساء[  ]  بخلع جلباب الحياء[  ] ، والتهتك، وعدم المبالاة، وتتابعن في ذلك، وانهمكن فيه، إلى حَد يُخشى منه الانحدار في هوة سحيقة من السفور والانحلال، وحلول المَثُلات، والعقوبات من ذي العزة والجلال، وذلك مثل لبسهن ما يبدي تقاطيع أبدانهن؛ من عضدين وثديين وخصر وعجيزة ونحو ذلك، ولبس الثياب الرقيقة التي تصف البشرة، وكذا الثياب القصيرة التي لا تستر العضدين ولا الساقين ونحو ذلك، ولا شك أن هذه الأشياء تسربت إليهن من بلدان (الإفرنج) ومن يتشبه بهم؛ لأنها لم تكن معروفة فيما سبق، ولا مستعملة، ولا شك أن هذا من أعظم المنكرات، وفيه من المفاسد المغلظة والمداهنة في حدود الله -لمن سكت عنها- وطاعة للسفهاء في معاصي الله، وكونه يجر إلى ما هو أطم وأعظم، ويؤدي إلى ما هو أدهى وأمَر؛ من فتح أبواب الشرور والفساد وتسهيل أمر التبرج[  ]  والسفور؛ ولهذا لزم التنبيه على مفاسدها، والتدليل على تحريمها، والمنع منها.
نكتفي بذكر أمهات المسائل ومجملاتها؛ طلبا للاختصار:

▪ أولاً: أنها من التشبه بالإفرنج والأعاجم ونحوهم، وقد ثبت في الآيات القرآنية، والأحاديث الصحيحة النبوية النهي عن التشبه بهم، في عدة مواضع معروفة، وبهذا يعلم أن مخالفتهم أمر مقصود للشارع في الجملة.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية[  ]  رحمه الله في كتاب: (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم) (1) مضار التشبه بهم، وأن الشرع ورد بالنهي عن التشبه بالكفار، والتشبه بالأعاجم، والتشبه بالأعراب، وأنه يدخل في ذلك ما عليه الأعاجم والكفار قديما، كما يدخل ما هم عليه حديثا، وكما يدخل في ذلك ما عليه الأعاجم المسلمون مما لم يكن عليه السابقون الأولون، كما أنه يدخل في مسمى الجاهلية ما كان عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام، وما عاد إليه كثير من العرب في الجاهلية التي كانوا عليها.

▪ ثانيا: أن المرأة[  ]  عورة، ومأمورة بالاحتجاب والستر، ومنهية عن التبرج وإظهار زينتها ومحاسنها ومفاتنها. قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَِّزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ} (2) الآية. وقال تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} (3) الآية، وقال تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ} (4)، وهذا اللباس مع ما فيه من التشبه ليس بساتر للمرأة، بل هو مبرز لمفاتنها، ومغرٍ لها، ومغر بها من رآها وشاهدها، وهي بذلك داخلة في الحديث الصحيح، عن أبي هريرة، أن النبي[  ]  صلى الله عليه وسلم قال: "صنفان من أمتي من أهل النار[  ] ، لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، على رءوسهن أمثال أسنمة الإبل، لا يدخلن الجنة[  ] ، ولا يجدن ريحها، ورجال معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس" (5).
وقد فُسر الحديث بأن تكتسي المرأة بما لا يسترها، فهي كاسية، ولكنها في الحقيقة عارية، مثل أن تكتسي بالثوب الرقيق الذي يصف بشرتها، أو الثوب الضيق الذي يبدي مقاطع خَلْْقها: مثل عجيزتها، وساعدها، ونحو ذلك؛ لأن كسوة المرأة في الحقيقة هو ما سترها سترا كاملا، بحيث يكون كثيفا، فلا يبدي جسمها، ولا يصف لون بشرتها؛ لرقته وصفائه، ويكون واسعا، فلا يبدي حجم أعضائها، ولا تقاطيع بدنها؛ لضيقه، فهي مأمورة بالاستتار والاحتجاب؛ لأنها عورة؛ ولهذا أمرت أن تغطي رأسها في الصلاة، ولو كانت في جوف بيتها بحيث لا يراها أحد من الأجانب، فدل على أنها مأمورة من جهة الشرع بستر خاص لم يؤمر به الرجل حقا لله تعالى، وإن لم يرها بشر.

وستر العورة واجب لحق الله تعالى، حتى في غير الصلاة، ولو كان في ظلمة، أو في حال خلوة، بحيث لا يراه أحد، وحتى عن نفسه، ويجب سترها بلباس ساتر لا يصف لون البشرة؛ لحديث بهز ابن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك، إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك"، قلت: فإذا كان القوم بعضهم مع بعض؟ قال: "فإن استطعت أن لا يراها أحد، فلا يرينها"، قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: "فالله تعالى أحق أن يستحيا منه" (رواه أبو داود) (6).

وقد ورد نص الفقهاء رحمهم الله على النهي عن لبس الرقيق من الثياب: وهو ما يصف البشرة، أي: مع ستر العورة بالسترة الكافية في حق كل من الرجل والمرأة، ولو في بيتها. نص عليه الإمام أحمد رحمه الله كما صرحوا بالمنع من لبس ما يصف اللِّين والخشونة والحجم، وصرحوا بمنع المرأة من شد وسطها مطلقا أي سواء كان بما يشبه الزِّنّار أو غيره، وسواء كانت في الصلاة أو خارجها؛ لأنه يبين حجم عجيزتها، وتبين به مقاطع بدنها، قالوا: ولا تضم المرأة ثيابها حال قيامها؛ لأنه يبين به تقاطيع بدنها. فتشبه الحزام، وهذا اللباس المذكور أبلغ من الحزام. وضم الثياب حال القيام أحق بالمنع منه.

▪ ثالثا: أن في بعض ما وقعن فيه شيئا من تشبه النساء بالرجال، وهذا من كبائر الذنوب[  ] ، ففي الحديث: لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، وفي لفظ: لعن الله المتخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء (7)، فالمرأة المتشبهة بالرجال تكتسب من أخلاقهم، حتى يصير فيها من الظهور والتبرج والبروز، ومشاركة الرجال ما قد يفضي ببعضهن إلى أن تظهر بدنها، كما يظهره الرجل، وتطلب أن تعلو على الرجال، كما يعلو الرجال على النساء، وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والخَفَر المشروع في حق النساء، كما أن الرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه، حتى إن الأمر قد يفضي به إلى التخنث، والتمكين من نفسه كأنه امرأة، وهذا مشاهد في الواقع، فصلوات الله وسلامه على من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح أمته، وعَبَد الله حتى أتاه اليقين[  ] .

قلت: وقد أفضى الحال بكثير ممن يقلدون المتفرنجين إلى أن شارك كثير من النساء الرجال في البروز والخروج والوظائف والتجارات والأسفار بدون محرم، وغير ذلك، كما شارك كثير من الرجال النساء في المبالغة في التزين، والتخنث في الكلام، وحلق اللحى، والتثني حال المشي، والتحلي بخواتم الذهب، ونحو ذلك، وأمثاله مما هو معروف، حتى صارت العادة عندهم تطويل ثياب الرجال، وتقصير ثياب المرأة، فيجعلون ثوب المرأة إلى ركبتها، أو ما فوق الركبة، بحيث يبدو بعض فخذها، نعوذ بالله من قلة الحياء، والتجرؤ على محارم الله.

▪ رابعا: أن هذه الأشياء، وإن كان يعدها بعض من لا أخلاق لهم من الزينة، فإن حسبانهم باطل. وما الزينة الحقيقية إلا التستر والتجمل باللباس الذي امتن الله به على عباده؛ لقوله تعالى: {يَا بَنِي ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً} (8)، وليست الزينة بالتعري، والتشبه بالإفرنج، ونحوهم، وأيضا فلو سلم أن ذلك زينة، فليس لكل امرأة أن تخترع لها من الزينة ما تختاره ويخطر ببالها؛ لأن هناك أشياء من الزينة، وهي ممنوعة، بل محرمة، بل ملعون فاعلها، كما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة والواشمة والمستوشمة، وعن عبد الله بن مسعود قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحُسْن، المغيرات خلق الله، فجاءت امرأة. فقالت: بلغني أنك لعنت كيت وكيت! فقال: وما لي لا ألعنُ مَنْ لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو في كتاب الله! فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول! فقال: إن كنتِ قرأتيه، فقد وجدتيه، أَمَا قرأت قولَه تعالى: {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (9)؟ قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه (متفق عليه) (10).

▪ خامسا: أن النساء ناقصات عقل ودين، وضعيفات تصوّر وإدراك، وفي طاعتهن بهذا وأمثاله من المفاسد المنتشرة ما لا يعلمه إلا الله، وأكثر ما يفسد المُلْكَ والدول طاعة النساء، وفي (الصحيحين) (11) عن أسامة بن زيد مرفوعا: "ما تركت بعدي على أمتي من فتنة أضر على الرجال من النساء"، وعن أبي سعيد الخدري مرفوعا: "إن الدنيا[  ]  حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" (12). وفي (صحيح) البخاري[  ]  عن أبي بكر مرفوعا: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" (13)، وفي الحديث الآخر: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي اللبّ من إحداكن" (14)، ولما أنشده أعشى باهلة أبياته التي يقول فيها:

وهن شر غالب لمن غلب

جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرددها، ويقول: "هن شر غالب لمن غلب" (15).

فيتعين على الرجال القيام على النساء، والأخذ على أيديهن، ومنعهن من هذه الملابس والأزياء المنكرة، وأن لا يداهنوا في حدود الله، كما هو الواجب عليهم شرعا. قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لَّا يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (16).

وقد صرح العلماء[  ] : أن على ولي المرأة أن يجنبها الأشياء المحرمة، من لباس وغيره، ويمنعها منها، فإن لم يفعل تعين عليه التعزير بالضرب وغيره. وفي الحديث الصحيح، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع، ومسئول عن رعيته، فالإمام راع، ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع، ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، ومسئول عن رعيته، فكلكم راع، ومسئول عن رعيته" (17)، وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه؛ حفظ أم ضيع" (رواه ابن حبان في صحيحه) (18).

والمقصود: أن معالجة هذه الأمراض الاجتماعية المنتشرة من أهم المهمات، وهي متعلقة بولاة الأمر أولاً، ثم بقيِّم المرأة ووليها ثانياً، ثم المرأة نفسها مسئولة عما يتعلق بها، وببناتها ومن في بيتها، كما أن على طلبة العلم بيان[  ]  أحكام هذه المسائل للمسلمين والتحذير منها، وعلى رجال الحسبة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن ينكروا هذه الأشياء، ويجدّوا في إزالتها.

فالله الله يا معشر المسلمين، فكل منكم على ثغر من ثغور الإسلام، فلا يؤتى الإسلام من قِبله، فإذا فرضنا أن أَهْملَ هذا الواجبَ أحد من هؤلاء، تعيّن على الباقين، ولا ينبغي لهم أن يهملوا الواجب، ويحملوا المسئولية على غيرهم، بل يتعين على الجميع التعاون والتساعد والتكاتف في هذا وغيره مما هو من واجبات الدين، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} (19).

نسأل الله تعالى أن يجنبنا مضلات الفتن[  ] ، ما ظهر منها، وما بطن، وأن ينصر دينه، ويُعلي كلمته، ويُذل أعداءه، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

___________________________________________

1 - (اقتضاء الصراط المستقيم): ص (16- 22).
2 - سورة الأحزاب: الآية (59).
3 - سورة النور[  ] : الآية (31).
4 - سورة الأحزاب: الآية (33).
5 - مسلم (2128)، وأحمد (2/440).
6 - أبو داود (4017)، والترمذي (2794) وحسنه، وأحمد (5/ 3، 4).
7 - البخاري (5886).
8 - سورة الأعراف: الآية (26).
9 - سورة الحشر: الآية (7).
10 - البخاري (5943)، ومسلم (2125).
11 - البخاري (5943)، ومسلم (2125) وهذا لفظ مسلم.
12 - مسلم (2742).
13 - البخاري (4425)، وأحمد (5/ 43)، والحاكم (4/ 291).
14 - هو قطعة من حديث أخرجه البخاري (304)، ومسلم (79).
15 - أحمد (2/202)، وأبو يعلى (6871).
16 - سورة التحريم: الآية (6).
17 - البخاري (893، 2409، 2554، 2558، 7751، 5188، 5200، 7138)، ومسلم (1829) من حديث ابن عمر.
18 - ابن حبان (4492)، والنسائي في (عشرة النساء) (292).
19 - سورة المائدة: الآية (2).

إرسال تعليق

 
Top