0



ولمسلم عن أبي هريرة لا إله إلا الله، هذا الحديث اشتمل على قضيتين: القضية الأولى قد تقدم ذكرها في غير حديث « لا تقوم الساعة حتى يفيض المال فيخرج الرجل زكاته فلا يجد أحدا يقبلها »2 تقدم في الحديث الآخر الذي فيه ذكر الجملة من أشراط الساعة ومن حوادث الزمان أن من ذلك أنه يفيض المال ويكثر حتى يهم الرجل أو رب المال من يأخذ صدقته، هذا حديث فالأحاديث متطابقة في الدلالة على هذا المعنى، لكن المعنى الجديد قوله: « وحتى تعود جزيرة العرب مروجا وأنهارا »3 مروج يعني رياض وبساتين غناء ومزارع وأنهار جارية، بعد أن كانت جزيرة العرب الغالب عليها أنها صحراء قاحلة فيها مفاوز لا ماء بها، مفاوز ومهلكة.
بعض شراح هذا الحديث قال: ربما أن المراد أن الناس ينشغلون عنها بالحروب والقتال فينقطع فيها رعي المواشي فتصير مروج وأنهار، لأنها يعني قد أعرض الناس عنها، فتنبت فيها الأعشاب والأشجار فلا يعرج عليها الناس، الله أعلم أولوها بهذا التأويل الذي فيه بعد، هجر الناس وترك الناس لرعي المواشي في الرياض المعشبة، يعني في الربيع هذا ليس أمرًا يعني غريبا، وهذا حصل ويحصل أحيانا، قد تقل المواشي ويجيء الربيع وتبقى الرياض مهجورة لا ليس فيها من يرعى نبتة، لكن ما حدث الآن حدث في هذه الجزيرة أن فجرت فيها العيون بما يسر الله من وسائل التنقيب تنقيب الماء من مصادر عميقة من الأعماق، حتى فار الماء في بعض المواضع، فاض وصار يخرج تلقائيا بدون المضخات، والآن في كل نواحي الجزيرة أو في معظم نواحي الجزيرة بيأتي الدهنة التي مغمورة ومغطاة بالرمال ولا مطمع للماء فيها الآن نقب عن الماء وخرجت مياه غزيرة وعذبة، فلا يبعد أن يكون هذا تفسيرا والله أعلم، وكما قلت: لا نقطع بشيء لأن الأخبار عن الأمور المغيبة لا يتأتى الجزم بتفسيرها من خلال الواقع، إنما نقول: لا يبعد هذا.
فالآن أصبحت هذه الجزيرة التي كانت قاحلة، الآن فيها المزارع الهائلة التي لا تقاس بالذراع أو تقاس بالذراع المحدودة: مائة ذراع مائتين ذراع، لا بالكيلووات بالأميال، حتى إن الإنسان إذا كان -كما تشاهدون - إذا كان راكبا في الطائرة في بعض المناطق يشاهد الأرض كلها يعني مغطاة بالخضرة: نخيل بساتين أشجار زروع، وهذه المضخات بخلاف السواني القديمة، السواني تستخرج الماء بالدلى كل ما بين ربع ساعة أو عشر دقائق تخرج مقدار من الماء بما يسمى الغروب غروب نعم هي اسمها غروب دلال كبيرة عظيمة، أما الآن فبهذه المضخات مياه هي أنهار فلا يبعد أن يكون هذا الواقع، وما قد يقع بعد ذلك الله أعلم لا يبعد أن يكون تفسيرا لقوله صلى الله عليه وسلم: « وحتى تعود جزيرة العرب مروجا وأنهارا »3 وبعض المعاصرين يقول: إن قوله حتى تعود يدل على أن الجزيرة كانت في غابر الزمان في الزمان القديم كانت كذلك، وأن هذا عود، لأن تعود يعني كأنها إلى ما كانت عليه، وهذا ليس بلازم، فإن عاد قد يراد به بمعنى صار، حتى تصير مروجا وأنهارا، والله أعلم بمراده ومراد رسوله. نعم.


1 : مسلم : الزكاة (157) , وأحمد (2/417).
2 : البخاري : الزكاة (1413).
3 : مسلم : الزكاة (157) , وأحمد (2/417).

إرسال تعليق

 
Top